الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء الأفرنج على انطاكية وغيرها من سواحل الشام. كان الافرنج قد ظهر أمرهم في هذه السنين وتغلبوا على صقلية واعتزموا على قصد الشام وملك بيت المقدس وأرادوا المسير إليها في البر فراسلوا ملك الروم بالقسطنطينية أن يسهل لهم الطريق إلى الشام فأجابهم على أن يعطوه انطاكية فحاصروها تسعة أشهر وصاحبها يومئذ باغي سيان فأحسن الدفاع عنها ثم تبوؤا البلد بمداخلة بعض الحامية أصعدهم السور بعد أن رغبوه بالأموال والاقطاع وجاؤا إلى السور فدلهم على بعض المخادع ودخلوا منه ونفخوا البوق فخرج باغي سيان هاربا حتى إذا كان على أربعة فراسخ راجع نفسه وندم فسقط مغشيا عليه ومر به أرمني فحمل رأسه إلى انطاكية وذلك سنة إحدى وتسعين وأربعمائة واجتمعت عساكر المسلمين وزحفوا إلى انطاكية من كل ناحية ليرتجعوها من الافرنج وجاء قوام الدين كربوقا إلى الشام واجتمعت عليه العساكر بمرج دابق فكان معه دقاق بن تتش وطغرلتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وارسلان تاش صاحب سنجار وسقمان بن أرتق وغيرهم وساروا إلى انطاكية فنازلوها واستوحش الأمراء من كربوقا وأنفوا من ترفعه عليهم وضاق الحصار بالافرنج لعدم الاقوات لان المسلمين عاجلوهم عن الاستعداد فاستأمنوا كربوقا فمنغهم الامان وكان معهم من الملوك بردويل وصخبل وكمدمري والقمط صاحب الرها وسمند صاحب انطاكية وهو مقدم العساكر فخرجوا مستأمنين وضربوا مصاف وتخاذل الناس لما في قلوبهم من الاضغان لكربوقا فتمت الهزيمة عليهم وآخر من انهزم سقمان بن أرتق واستشهد منهم العرب وغنم العو سوادهم بما فيه وساروا إلى معرة النعمان فملكوها وأفحشوا في استباحتها ثم ساروا إلى غزة فحاصروها أربعة أشهر وامتنعت عليهم وصالحهم ابن منقذ على بلده شيراز وحاصروا حمص فصالحهم صاحبها جناح الدولة ثم ساروا إلى عكا فامتنعت عليهم وكان هذا بداية الافرنج بسواحل الشام ويقال أن المصريين استنابوا رجلا يعرف بافتخار الدولة من خلفاء العميد بن نصر لما خشوا من السلجوقية عند استيلائهم على الشام إلى غزة وزحف الاقسيس من أمرائهم إلى مصر وحاصرهم فراسلوا إلى الافرنج واستدعوهم لملك الشام لينشلوهم عن أنفسهم ويحولوا بينهم وبين مصر والله سبحانه وتعالى أعلم..انتقاض الأمير انز وقتله. لما سار السلطان بركيارق إلى خراسان ولى على بلاد فارس الأمير انز وكانت قد تغلبت الشوانكار واستظهروا بايران شاه بن قاروت بك صاحب كرمان فلما سار إليهم انز قاتلوه فهزموه ورجع إلى أصهبان فاستأذن السلطان فأمره بالمقام هناك وولاه إمارة العراق وكانت العساكر في جواره بطاعته وجاءه مؤيد الملك بن نظام الملك من بغداد على الحلة فأغراه بالخلاف وخوفه غائله بركيارق وأشار عليه بمكاتبة محمد بن ملك شاه وهو في كنجه وشاع عنه ذلك فازداد خوفه وجمع العساكر وسار من اصبهان إلى الري وجاهر السلطان بالخلاف وطلب منه أن يسلم إليه فخر الملك البارسلان وبينما هو في ذلك إذ هجم عليه ثلاثة نفر من الاتراك المولدين بخوارزم من جنده فطعنوه فقتلوه واهتاج عسكره فنهبوا اخزائنه وحمل شلوه إلى اصبهان فدفن بها وأشهر خبر قتله إلى السلطان في أحواز الري وهو سائر لقتاله فسر بذلك هو وفخر الملك البارسلان وذلك في سنة اثنتين وتسعين وكان محمود المذاهب كبير المناقب ولما قتل هرب اصهنر صبار إلى دمشق فأقام بها مدة ثم قدم على السلطان محمد سنة احدى وخمسمائة فأكرمه وأقطعه رحبة مالك بن طوق..استيلاء الافرنج على بيت المقدس. كان بيت المقدس لتاج الدولة تتش وأقطعه الأمير سقمان بن أرتق التركماني وكان تتش ملكه من يد العلويين أهل مصر فلما وهن الاتراك بواقعة انطاكية طمع المصريون في ارتجاعه وسار صاحب دولتهم الأفضل بن بدر الجمالي وحاصر الأمير سقمان وأخاه ايلغاري وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سونج ونصب المجانيق فثلموا سوره ثم ملكوه بالأمان لأربعين يوما من حصاره في شعبان سنة تسع وثمانين وأحسن الافضل إلى سقمان وايلغاري ومن معهما وأطلقهم فأقام سقمان ببلد الرها وسار ايلغاري إلى العراق وولى الافضل على بيت المقدس افتخار الدولة من أمرائهم ورجع إلى مصر فلما رجع الافرنج من عكا جاؤا إلى بيت المقدس فحاصروه أربعين يوما واقتحموه من جهة الشمال آخر شعبان من سنة اثنتين وتسعين وعاثوا في أهله واعتصم فلهم بمحراب داود عليه السلام ثلاثا حتى استأمنوا وخرجوا ليلا إلى عسقلان وقتل بالمسجد سبعون ألفا أو يزيدون من المجاورين فيهم العلماء والزهاد والعباد وأخذوا نيفا وأربعين قنديلا من الفضة زنة كل واحد ثلاثة آلاف وستمائة درهم ومائة وخمسين قنديلا من الصغار وتنورا من الفضة زنته أربعون رطلا بالشامي وغير ذلك مما لا يحصى ووصل الصريخ إلى بغداد مستغيثين فأمر المقتدي أن يسير إلى السلطان بركيارق أبو محمد الدامغاني وأبو بكر الشاشي وأبو القاسم الزنجاني وأبو الوفاء بن عقيد وأبو سعد الحلواني وأبو الحسيني بن السماك فساروا إلى بركيارق يستصرخونه للمسلمين فانتهوا إلى حلوان وبلغهم مقتل مجد الملك الباسلاني وفتنة بركيارق مع أخيه محمد فرجعوا وتمكن الافرنج من البلاد ونحن عازمون على افراد أخبارهم بالشام وما كان لهم فيه من الدولة على حكم أخبار الدول في كتابنا.
|